سورة الأنفال - تفسير نيل المرام

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنفال)


        


الآية الثامنة:
{وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ (58)}.
{وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ}: من المعاهدين وهم قريظة وبنو النضير.
{خِيانَةً} أي غشا ونقضا للعهد.
{فَانْبِذْ}: أي فاطرح.
{إِلَيْهِمْ}: العهد الذي بينك وبينهم.
{عَلى سَواءٍ}: أي على طريق مستوية، والمعنى أنه يخبرهم إخبارا ظاهرا مكشوفا بالنقض، ولا تناجزهم الحرب بغتة.
وقيل: معنى {عَلى سَواءٍ} على وجه يستوي في العلم بالنقض أقصاهم وأدناهم، أو تستوي أنت لئلا يتهموك بالغدر وهم فيه.
قال الكسائي: السواء: العدل وقد يكون بمعنى الوسط. ومنه قوله تعالى: {فِي سَواءِ الْجَحِيمِ (55)} [الصافات: 55] وقيل: معناه على جهر، لا على سر.
والظاهر أن هذه الآية عامة في كل معاهد يخاف من وقوع النقض منه.
قال ابن عطية: والذي يظهر من ألفاظ القرآن أن أمر بني قريظة انقضى عند قوله: {فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ} [الأنفال: 57] ثم ابتدأ تبارك وتعالى في هذه الآية يأمره بما يصنعه في المستقبل مع من يخاف منه خيانة.
{إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ (58)}: تعليل لما قبلها، يحتمل أن يكون تحذيرا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم من المناجزة قبل أن ينبذ إليهم على سواء، ويحتمل أن تكون عائدة إلى القوم الذين يخاف منهم الخيانة.


الآية التاسعة:
{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (60)}.
{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}: أمر اللّه سبحانه بإعداد القوة: كل ما يتقوى به في الحرب، ومن ذلك السلاح والقسي.
وقد ثبت في صحيح مسلم وغيره من حديث عقبة بن عامر قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، وهو على المنبر، يقول: «{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} ألا أن القوة: الرمي». قالها ثلاث مرات.
وقيل: هي الحصون والمعاقل. والمصير إلى التفسير الثابت عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم متعين.
{وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ}: قال أبو حاتم: الرباط من الخيل الخمس فما فوقها، وهي الخيل التي تربط بإزاء العدو، ومنه قول الشاعر:
أمر الإله بربطها لعدوه *** في الحرب إن اللّه خير موفق
قال في الكشاف: والرباط اسم للخيل التي تربط في سبيل اللّه، ويجوز أن يسمى بالرباط الذي هو بمعنى المرابطة، ويجوز أن يكون جمع ربيط كفصيل وفصال. انتهى.
وقد فسّر القوة بكل ما يتقوى به في الحرب، جعل عطف الخيل عليها من عطف الخاص على العام.
{تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}: في محل نصب على الحال.
والترهيب: التخويف، والضمير في (به) عائد إلى (ما) في {مَا اسْتَطَعْتُمْ} أو إلى المصدر المفهوم من {وَأَعِدُّوا}، وهو الإعداد، والمراد بعدو اللّه وعدوهم: هم المشركون من أهل مكة وغيرهم من مشركي العرب.


الآية العاشرة:
{وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61)}.
{وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها}: الجنوح: الميل.
والسلم: الصلح.
وقد اختلف أهل العلم: هل هذه الآية منسوخة أم محكمة؟ فقيل: هي منسوخة بقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] قاله ابن عباس.
وقيل: ليست بمنسوخة لأن المراد بها قبول الجزية، وقد قبلها منهم الصحابة فمن بعدهم، فتكون خاصة بأهل الكتاب. قاله مجاهد.
وقيل: إن المشركين إن دعوا إلى الصلح جاز أن يجابوا إليه، وتمسك المانعون من مصالحة المشركين بقوله تعالى: {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ} [محمد: 35]، وقيدوا عدم الجواز بما إذا كان المسلمون في عزة وقوة لا إذا لم يكونوا كذلك فهو جائز كما وقع منه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم من مهادنة قريش، وما زالت الخلفاء والصحابة على ذلك، وكلام أهل العلم في هذه المسألة معروف مقرر في مواطنه.

1 | 2 | 3 | 4 | 5